أول دولة أوروبية تُنفذ عمليات إعادة قسرية للسوريين عبر لبنان: مصير مجهول ينتظر 14 الف لاجئ بعد تعليق طلباتهم
أصبحت قبرص أول دولة أوروبية تُنفذ عمليات إعادة قسرية للسوريين بشكل غير مباشر، عبر ترحيلهم إلى لبنان الذي يقوم بدوره بنقلهم قسراً إلى الحدود السورية. هذه العمليات أثارت انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوق الإنسان، حيث وصفتها بأنها انتهاك صارخ لحقوق اللاجئين وللقوانين الدولية التي تمنع الإعادة القسرية.
تفاصيل الإعادة القسرية
وثقت منظمات حقوقية ممارسات عنيفة بحق السوريين الذين يصلون إلى قبرص. السلطات القبرصية قامت بإجبار القوارب المحملة بالسوريين على العودة إلى لبنان، متجاهلة المخاطر التي يتعرض لها هؤلاء اللاجئون عند إعادتهم إلى سوريا، حيث يواجهون خطر الاعتقال والاضطهاد من قبل النظام السوري.
وفقاً لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، تقوم قبرص بإعادة السوريين الذين تصل قواربهم إلى شواطئها إلى لبنان مباشرةً، دون منحهم الفرصة لطلب اللجوء أو حماية قانونية. التقرير الصادر عن المنظمة تحت عنوان “لا أستطيع العودة إلى بلدي أو البقاء هنا أو الرحيل: صدّ وإرجاع اللاجئين السوريين من قبرص ولبنان”، يوثق حالات إعادة قسرية للسوريين بين أغسطس 2021 وسبتمبر 2023.
كما أفاد تقرير المنظمة أن الجيش اللبناني يقوم بطرد هؤلاء السوريين إلى داخل سوريا بعد إعادتهم من قبرص، وهو ما يعدّ انتهاكاً للقانون الدولي وحظر الإعادة القسرية المباشرة أو المتسلسلة.
مناورات بحرية خطيرة وإعادة متسلسلة
غالباً ما تغادر القوارب المحملة بالسوريين من سواحل طرابلس اللبنانية، وأحياناً من سواحل طرطوس السورية. منظمة “هيومن رايتس ووتش” أوضحت أن خفر السواحل القبرصي نفذ عمليات اعتراض عنيفة للقوارب، حيث وثقت حالات تقييد للأطفال السوريين غير المصحوبين بذويهم وإعادتهم قسراً إلى لبنان. أحد الأمثلة المروعة تمثّل في حالة صبي يبلغ من العمر 15 عاماً، تم تقييده وإعادته إلى مرفأ بيروت، ومن ثم تم ترحيله قسراً إلى سوريا عبر الحدود اللبنانية.
اتفاقية 2020 بين قبرص ولبنان
في محاولة لتبرير هذه الممارسات، استندت قبرص إلى اتفاقية مبرمة مع لبنان في عام 2020، تتيح لها إعادة المهاجرين القادمين إلى شواطئها إلى لبنان. إلا أن هذه الاتفاقية لم تُطبّق بشكل واسع حتى وقت قريب، حيث أصبحت الآن أداة رئيسية في سياسة قبرص المتشددة تجاه المهاجرين السوريين.
تعليق دراسة طلبات اللجوء للسوريين
في تطور آخر، أعلنت السلطات القبرصية في أبريل 2023 تعليق دراسة جميع طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، وهي خطوة أثارت انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوقية ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفقاً للقرار، سيتم تعليق معالجة هذه الطلبات لمدة تصل إلى 21 شهراً، مما يعني أن تعليق الدراسة قد يستمر حتى عام 2026.
التعليق أثّر على أكثر من 14 ألف طلب لجوء سوري، معظمهم ينتظرون قرارات منذ عامين أو أكثر. المنظمات الحقوقية عبرت عن قلقها العميق من أن هذه الخطوة هي محاولة لتسهيل ترحيل السوريين إلى بلدهم، خصوصاً في ظل الجهود المستمرة من قبل الحكومة القبرصية لتعيين “مناطق آمنة” في سوريا، يمكن إعادة اللاجئين إليها.
تأثيرات القرار على حياة اللاجئين السوريين
تعليق طلبات اللجوء أدى إلى حرمان السوريين من الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والمساعدات التي تقدمها الحكومة للاجئين. وصرحت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن السوريين الذين يعيشون خارج مراكز الاستقبال يواجهون خطر التشرد والاستغلال بسبب عدم قدرتهم على الحصول على الدعم اللازم.
السوريون المقيمون في قبرص عبّروا عن شعورهم بالرفض والإهمال بسبب هذه السياسة الجديدة. وأشارت تقارير إلى أن اللاجئين يواجهون أوضاعاً معيشية صعبة، بما في ذلك الفقر والتشرد.
مخاوف من ترحيل مستقبلي إلى سوريا
تواصل قبرص العمل على إقناع الاتحاد الأوروبي بتعيين مناطق آمنة في سوريا لإعادة اللاجئين إليها، إلا أن هذه الجهود لم تلقَ تأييداً واسعاً من الدول الأوروبية الأخرى، خاصة في ظل الاتهامات الموجهة للنظام السوري بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ومع ذلك، تُبدي السلطات القبرصية إصراراً على الاستمرار في تطبيق سياساتها المتشددة تجاه المهاجرين، مما يثير مخاوف من تصاعد عمليات الترحيل القسري مستقبلاً.
ردود الفعل الدولية والمحلية
الخطوات التي اتخذتها قبرص أثارت استنكاراً دولياً واسعاً، حيث حذرت منظمات حقوق الإنسان من المخاطر الجسيمة التي يتعرض لها اللاجئون السوريون جراء هذه السياسات. ورغم ذلك، لم تصدر الحكومة القبرصية أي تعليق رسمي على الانتقادات التي طالتها، ولم تستجب لطلبات التعليق على ما ورد في تقارير المنظمات الحقوقية.