دال ميديا: إذا كنت تحمل جواز السفر السويدي، فقد تلاحظ رسمًا أنيقًا لطائر يحلّق في السماء على صفحاته الداخلية. هذا الطائر ليس مجرد زخرفة فنية، بل هو الإوزة الرمادية (Grågås – Anser anser)، التي تحمل في جناحيها قصة ممتدة من أعماق الطبيعة السويدية وصولًا إلى الأدب العالمي، وحتى أشهر المسلسلات الكرتونية!
لكن ما الذي يجعل هذا الطائر مميزًا لدرجة اختياره ليكون رمزًا في أحد أهم الوثائق الرسمية في السويد؟
من الطبيعة إلى جواز السفر.. لماذا الإوزة الرمادية؟
السويد معروفة بطبيعتها الساحرة وموائلها الغنية بالحياة البرية، ومن بين الطيور التي تميزها الإوزة الرمادية، التي تعد أحد أشهر الطيور المهاجرة. في كل عام، تقطع هذه الإوزة آلاف الكيلومترات بين الشمال والجنوب بحثًا عن المناخ المثالي، مما جعلها رمزًا للهجرة والحرية.
اختارت السويد هذا الطائر ليظهر في جواز سفرها كإشارة إلى حرية التنقل والسفر، حيث أن المواطنين السويديين يمكنهم التنقل بين العديد من الدول دون الحاجة إلى تأشيرة، تمامًا كما تفعل الإوزة الرمادية في هجراتها السنوية. كما يعكس وجودها في الجواز الارتباط العميق بين السويديين والطبيعة، حيث تُعد حماية البيئة والحياة البرية جزءًا أساسيًا من الثقافة السويدية.
من الأدب إلى الشاشة.. كيف أصبحت الإوزة بطلة في القصة؟
لم يقتصر دور الإوزة الرمادية على الطبيعة فحسب، بل أصبحت واحدة من أشهر الشخصيات الأدبية في السويد، بفضل الكاتبة سيلما لاغرلوف (Selma Lagerlöf)، التي نشرت عام 1906 روايتها الشهيرة “مغامرات نيلز العجيبة عبر السويد” (Nils Holgerssons underbara resa genom Sverige).
تحكي القصة عن الصبي المشاكس نيلز هولغرسون، الذي يُعاقب بسبب سوء معاملته للحيوانات ويتحول إلى قزم، ليجد نفسه قادرًا على التحدث مع الطيور. يلتقي بنخبة من الإوز المهاجر، تقودهم الإوزة أكي (Akka av Kebnekaise)، وينطلق معهم في رحلة جوية عبر السويد، حيث يتعلم دروسًا عن الحياة، الرحمة، واحترام الطبيعة.
الرواية لم تكن مجرد قصة خيالية، بل كانت في الأصل كتابًا تعليميًا للجغرافيا السويدية، لكنها سرعان ما تحولت إلى تحفة أدبية قرأها الملايين حول العالم.
نجاح عالمي في التلفزيون والرسوم المتحركة
بعد عقود من نجاح الرواية، تحولت إلى مسلسل كرتوني ياباني شهير في الثمانينات، تم دبلجته إلى عدة لغات، بما في ذلك العربية تحت اسم “مغامرات نيلز”. أصبح هذا المسلسل واحدًا من أكثر الرسوم المتحركة المحبوبة، حيث تابع الأطفال حول العالم مغامرات نيلز وهو يحلق فوق السويد على ظهر الإوزة الرمادية، مستكشفًا المناظر الطبيعية الخلابة ومتعلّمًا دروسًا قيّمة.
الإوزة الرمادية.. أكثر من مجرد طائر
وجود الإوزة الرمادية على جواز السفر السويدي ليس مجرد تفصيل عابر، بل هو رمزٌ للحرية، الهجرة، واحترام الطبيعة. إنها تمثل السويد كبلد منفتح على العالم، يعزز التنقل ويحتفي بتراثه الطبيعي والثقافي.
وهكذا، فإن هذا الطائر الذي حلق عبر الأدب والتاريخ، ما زال يواصل رحلته، ليس فقط في سماء السويد، ولكن أيضًا في أيدي المسافرين حول العالم، حاملاً معه قصةً تستحق أن تُروى!