دال ميديا: في مشهد غير مألوف في منطقة لم تعتد على المفاجآت إلا بالحروب، كُشف النقاب عن لقاءات سرّية جمعت مسؤولين سوريين وإسرائيليين في غرف مغلقة، تحت رعاية تركية ووساطة أذربيجانية، في محاولة لإعادة رسم خطوط العلاقة الأكثر توترًا في الشرق الأوسط منذ نصف قرن.
المفارقة؟ أن هذه اللقاءات جاءت بصمتٍ رسمي كامل من دمشق، وسط تسريبات إعلامية دولية بدأت ترسم ملامح ما يشبه “التحرّك الاستثنائي” بين عاصمتين ظلّتا في حالة اشتباك دائم، ظاهريًا على الأقل، منذ عام 1973.
وجوه غير مألوفة… وموقع غير متوقّع
بحسب وكالة رويترز، جرت هذه اللقاءات بوجوه غير معروفة إعلاميًا، كان من أبرزها أحمد الدالاتي، قائد الأمن في محافظة السويداء، وذلك ضمن محاولات احتواء التصعيد المتزايد في الجبهة الجنوبية لسوريا، حيث تتكرر الغارات الإسرائيلية، وتتصاعد التحركات المسلحة.
وفي تقاطع معلوماتي مهم، أكدت شبكة CNN الأميركية أن لقاءات إضافية عقدت في العاصمة باكو، بحضور مسؤولين أتراك وإسرائيليين، ما يضيف بعدًا إقليميًا للتفاهمات، ويؤشر إلى رغبة مشتركة في تبريد الجبهة الجنوبية قبل انفجارها من جديد.
لغة إسرائيلية أكثر نعومة… ورسائل دافئة في توقيت غير بريء
اللافت أن هذه التحركات السرية تزامنت مع تغيير في نبرة الخطاب الإسرائيلي، حيث أعرب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعرعن استعداد بلاده لفتح قنوات تواصل مع دمشق، مشددًا على العلاقة بين “الاستقرار الأمني والانفتاح السياسي”، وهي لهجة لم تألفها التصريحات الإسرائيلية سابقًا تجاه النظام السوري.
التوقيت ليس مصادفة. بل يبدو وكأن تل أبيب تحاول حجز موقع على الطاولة قبل أن تنضج ترتيبات ما بعد الحرب السورية، خاصة مع تسارع عملية إعادة دمج دمشق في النظام العربي الرسمي، والحديث المتكرر عن “عودة سوريا إلى حضن الجامعة”.
ملف إيلي كوهين يعود من الموت
وفي سابقة سياسية بالغة الدلالة، كشفت وكالة رويترز أن الرئيس السوري أحمد الشرع وافق على تسليم متعلقات الجاسوس الإسرائيلي الشهير إيلي كوهين إلى إسرائيل، في ما اعتُبر إشارة واضحة إلى رغبة دمشق في إرسال “بادرة حسن نية” إلى تل أبيب… وربما إلى واشنطن.
الملف الذي ظل لعقود عنوانًا للعداء الصارم، تحوّل فجأة إلى ورقة تقارب سياسي – في لحظة تعاني فيها سوريا من انهيار اقتصادي، وتوازن داخلي هش لا يمنحها ترف المناورة طويلاً.
سلام أم استسلام؟ السؤال الذي لم يُحسم بعد
بين محادثات في الخفاء وتغيّرات في اللهجة، تتردد في الأفق تساؤلات حقيقية:
هل نحن أمام مقدمة لتسوية سياسية شاملة؟
أم أن ما يجري ليس سوى تكتيك مؤقت لاحتواء الجبهة الجنوبية ريثما تعود الدولة السورية إلى التماسك؟
مهما كانت الإجابة، من الواضح أن التاريخ يعيد كتابة نفسه… ولكن هذه المرة خارج الإعلام، وداخل غرف لا يدخلها الضوء.
لقاءات الظل بين دمشق وتل أبيب، سواء أكانت مقدمة لمسار طويل أو مجرد لحظة عابرة، تشير إلى أن الشرق الأوسط دخل مرحلة ما بعد الحرام السياسي. ما كان “خيانة” أصبح “خيارًا استراتيجيًا”، وما كان محرّمًا بات مقبولًا حين يُبرر بالسيادة والأمن.