بعد سقوط نظام بشار الأسد، اجتاحت موجة ضخمة من المعلومات المضللة وسائل التواصل الاجتماعي، ما أثار القلق والريبة بشأن استغلال الفوضى الحالية في البلاد لأغراض سياسية وطائفية. تتحدث التقارير عن حملات تضليل ممنهجة يقف وراءها جهات محلية وخارجية، تهدف إلى تعميق الانقسامات وتشويه صورة الحكومة الانتقالية، وفقا لتقرير نشره موقع dw الألماني.
انتشار واسع للأكاذيب.. من المسؤول؟
منذ الإطاحة بنظام الأسد، شهدت وسائل التواصل طفرة كبيرة في الأخبار الزائفة، شملت مزاعم مثل:
- تدمير أشجار عيد الميلاد من قبل الحكومة الانتقالية، بينما ثبت لاحقًا أنها حدثت في كربلاء بالعراق عام 2023.
- مزاعم حول بيع النساء كإماء، والتي وُجد أنها جزء من مشروع فني كردي من عام 2013.
- شائعات بأن أحد قادة المعارضة السورية من أصل يهودي، بهدف تشويه صورته في الأوساط المحافظة.
زهير الشمالي، مدير الاتصالات في منظمة Verify-Sy، وهي منظمة متخصصة في التحقق من الأخبار في سوريا، صرح قائلًا:
“حجم الأخبار المضللة تضاعف بشكل مخيف بعد سقوط النظام. هذه الحملات تهدف إلى إثارة الفوضى ونزع الشرعية عن الحكومة الانتقالية.”
أهداف حملات التضليل: لماذا الآن؟
الموجة المتصاعدة من الأخبار الكاذبة ليست عشوائية، بل مدفوعة بأهداف واضحة:
- تعزيز الانقسام الطائفي: استهداف الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الأسد، عبر نشر مزاعم حول اضطهادهم على يد الحكومة الانتقالية.
- تخويف الأقليات: تصدير صورة مظلمة عن الحكومة الانتقالية باعتبارها غير قادرة على حماية الأقليات.
- زعزعة الاستقرار الداخلي: بث الشائعات حول انتقام المتمردين من السكان الموالين للأسد، مما يغذي الخوف والاضطراب.
- تشويه صورة المعارضة: التركيز على مزاعم مثل أن هيئة تحرير الشام هي نسخة أخرى من داعش، ما يسهل التشكيك بشرعية السلطة الجديدة.
دور الحلفاء السابقين: روسيا وإيران في دائرة الاتهام
لم يقتصر التضليل على الأطراف الداخلية، بل امتد ليشمل الدول الحليفة للنظام السابق، حيث تشير التقارير إلى دور كل من روسيا وإيران في إدارة حملات تضليل مكثفة.
في تقرير أصدره الباحث ماركوس سيباريس خيمينيز-بلانكو من صندوق مارشال الألماني، أكد أن:
“الآلات الدعائية الروسية والإيرانية تعمل بأقصى طاقتها لنشر الفوضى والتشكيك في قدرة السلطة الانتقالية على إدارة البلاد.”
بعض التكتيكات التي تستخدمها هذه الحملات تشمل:
- إنشاء صفحات فيسبوك وهمية بأسماء مشابهة لمنظمات حقوقية.
- استخدام حسابات مزيفة (بوتات) لنشر نفس الرسائل التضليلية مرارًا.
- التركيز على التحريض الطائفي عبر تضخيم أحداث غير مؤكدة.
تأثير المعلومات المضللة على الأرض: فوضى واحتجاجات
حملات التضليل الإعلامي بدأت تؤتي ثمارها السلبية، حيث ظهرت احتجاجات طائفية في بعض المناطق العلوية بعد انتشار مقطع فيديو يظهر تدنيس مزار ديني، تبين لاحقًا أنه مفبرك.
زهير الشمالي يؤكد أن:
“هذه الحملات لا تهدف فقط إلى زرع الفوضى، بل تؤثر على دعم المجتمع الدولي لسوريا الجديدة. انتشار هذه الأخبار الزائفة يعطي انطباعًا بأن البلاد عاجزة عن تحقيق الاستقرار بعد الأسد.”
هل تتحرك الحكومة الانتقالية؟
رغم كل هذه التحديات، لا تزال الحكومة الانتقالية حديثة العهد، وما زال ينقصها آليات مكافحة التضليل الإعلامي بشكل فعال. ومع ذلك، بدأت بعض المنظمات مثل Verify-Sy ومسبار في فضح الأكاذيب وكشف الحملات التضليلية.
الحلول المقترحة: كيف يمكن التصدي للتضليل الإعلامي؟
- تعزيز الثقافة الإعلامية: تشجيع السوريين على التفكير النقدي قبل تصديق أي خبر.
- مراقبة المحتوى: تطبيق أدوات رقمية لرصد الحسابات المزيفة والمحتويات المضللة.
- دعم منصات التحقق: توفير تمويل ودعم لمنصات مثل Verify-Sy للقيام بدورها الرقابي.
- شفافية أكبر من الحكومة الانتقالية: إصدار بيانات دورية واضحة ومباشرة للرد على الشائعات.
خاتمة: مستقبل الإعلام في سوريا
في ظل الأوضاع الراهنة، تظل مكافحة التضليل الإعلامي ضرورة قصوى لبناء سوريا الجديدة. فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل في ساحة المعلومات، حيث يمكن للشائعة الواحدة أن تشعل فتيل النزاع الطائفي مجددًا.