دال ميديا: في كل مرة يُذكر فيها اسم “الأكراد” في نشرات الأخبار أو الخطاب السياسي، يعلو همس خافت بين الكُرد أنفسهم: لماذا يُصرّ البعض على استخدام تسمية لا نحبّذها؟ ولماذا تبدو هذه الكلمة، التي توصف بالحيادية لغويًا، مشحونة بالماضي وسوء الفهم؟
قليلون من غير الكُرد يدركون أن الاسم ليس مجرد تفصيل لغوي، بل يمثّل قضية هوية وكرامة تاريخية، وأن الفرق بين “الكُرد” و”الأكراد” ليس فقط في النحو، بل في الاعتراف بمن يكون هذا الشعب، وكيف يحب أن يُخاطب ويُعرف.
من أين جاءت تسمية “الكُرد”؟
يعود أصل التسمية إلى أعماق التاريخ القديم. ووفق ما تشير إليه المراجع الأكاديمية، فإن كلمة “كُرد” ظهرت لأول مرة في السجلات الأشورية والفارسية بصيغ قريبة من “كاردوخ” و”كورتي”، وهي أسماء لقبائل جبليّة كانت تسكن المناطق الواقعة جنوب شرق الأناضول وشمالي بلاد الرافدين، وتميّزت بمقاومتها الشرسة للإمبراطوريات.
في المصادر الإسلامية والكتابات التاريخية العربية، استُخدم اسم “الكُرد” للإشارة إلى شعب يسكن الجبال، ويتحدث لغة مستقلة، وله عادات وتقاليد متمايزة، ما يشير إلى تجذر الاسم في الهوية القومية وليس كمجرد وصف قبلي أو جغرافي.
لماذا لا يفضل الكُرد استخدام مصطلح “الأكراد”؟
رغم شيوع مصطلح “الأكراد” في الإعلام العربي واللغة الرسمية، إلا أن كثيرًا من الكُرد يرفضون استخدامه، لعدة أسباب:
-
اختزال قومي: كلمة “الأكراد” تُوحي بأن الحديث يدور عن مجموعات قبلية متفرقة، لا عن شعب موحّد بهوية قومية، وهو ما لا يعكس الواقع السياسي والثقافي للكُرد اليوم.
-
تشويه لغوي: الجمع الطبيعي لكلمة “كُردي” هو “كُرد”، تمامًا كما نقول “عربي/عرب”، و”تركي/ترك”. وبالتالي، فإن استخدام “أكراد” يُنظر إليه بوصفه تحريفًا لغويًا يتعارض مع بنية اللغة العربية نفسها.
-
محمّل بإرث سياسي: في الذاكرة الجمعية للكُرد، ارتبط مصطلح “الأكراد” بالخطاب البيروقراطي الرسمي لأنظمة تعاملت مع الكُرد كمشكلة أمنية، لا كشعب له قضية وحقوق. وبالتالي، فإن هذه التسمية باتت تُذكّرهم بفترات القمع، والتهميش، وتغييب الهوية.
ما الذي يعنيه الاسم للكُرد؟
الاسم، في كل القضايا القومية، ليس مجرد صوت، بل مرآة للهوية. والشعوب، كما الأفراد، من حقها أن تختار اسمها، وتُعرَّف به، لا أن يُفرض عليها من الخارج.
بالنسبة للكُرد، فإن الإصرار على استخدام “كُرد” بدلًا من “أكراد” ليس عنادًا لغويًا، بل موقف وطني وثقافي، يعكس رغبتهم في أن يُخاطبوا بلغتهم، وفق اختيارهم، ومن موقع الاعتراف بوجودهم كأمة لها جذورها وحقوقها.
بين التصحيح والاحترام
رغم أن مصطلح “الأكراد” لا يزال متداولًا في بعض الدوائر الإعلامية والسياسية، إلا أن هناك تحولًا تدريجيًا نحو احترام المصطلح الذي يفضّله أبناء الشعب الكردي. فمنصات إعلامية رصينة بدأت تعتمد “الكُرد” بدلًا من “الأكراد”، في سياق اعتراف أوسع بحقوق الأقليات في تعريف أنفسهم بأنفسهم.