دال ميديا: رغم انقضاء الحرب التي استمرت لما يقارب أربعة عشر عامًا، لا يزال أثرها واضحًا في كل زاوية من سوريا، حيث باتت الألغام والذخائر غير المنفجرة تهديدًا يوميًا لحياة المدنيين، وخصوصًا الأطفال. ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، يُقتل أو يُصاب ما لا يقل عن أربعة أطفال يوميًا جراء انفجارات ناجمة عن قنابل وألغام منتشرة في الحقول وعلى الطرقات وبين أنقاض المباني المدمرة.
ضحايا في سن الطفولة: زين يوسف نموذج لمعاناة الأطفال السوريين
من بين هؤلاء الضحايا، الطفل زين يوسف، البالغ من العمر 13 عامًا، والذي فقد جزءًا من يده اليسرى إثر انفجار ذخيرة غير منفجرة في مدينته طرطوس. زين، الذي كان في طريقه للعب مع أصدقائه، وجد جسماً غريبًا يشبه القلم، وما إن التقطه حتى انفجر بين يديه، مما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة.
يقول زين، وهو جالس في منزله بعد خضوعه لعدة عمليات جراحية:
“كنت أريد فقط اللعب مع أصدقائي، لكنني وجدت شيئًا يشبه القلم، وعندما التقطته انفجر في يدي. الآن لم أعد أستطيع الذهاب إلى المدرسة بسبب الإصابة، وأحاول التأقلم مع الوضع الجديد.”
والدته، رانيا يوسف، لا تزال تحت تأثير الصدمة وتتذكر تلك اللحظة القاتلة بوضوح:
“عندما سمعت صوت الانفجار، شعرت على الفور أن مكروهًا قد أصاب زين. ركضت نحو مصدر الصوت، ووجدته ملقى على الأرض والدماء تغطي جسده. لم أتمكن من فعل شيء سوى الصراخ طلبًا للمساعدة.”
بقايا الحرب: قنابل وألغام تنتظر الضحايا بين الأنقاض
بعد سقوط النظام في 8 ديسمبر الماضي، بدأ السكان بالعودة تدريجيًا إلى المدن والبلدات التي دمرت على مدار السنوات الماضية. ولكن عودتهم كشفت عن مخلفات حرب خطيرة لا تزال كامنة تحت الركام، حيث تملأ القنابل العنقودية، الألغام، والصواريخ غير المنفجرة الطرقات والمباني المهدمة.
تشير التقارير إلى أن المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام سابقًا باتت مليئة بالمتفجرات اليدوية والقنابل التي تركها الجنود الفارون، حيث تم العثور على ألغام في الطرقات، وحقول مزروعة بذخائر غير منفجرة، بالإضافة إلى انتشار القنابل اليدوية في مناطق سكنية.
جهود دولية ومحلية لمكافحة الخطر
أمام هذه الأزمة المتفاقمة، تحاول منظمات الإغاثة الدولية والمحلية، وعلى رأسها الخوذ البيضاء (الدفاع المدني السوري)، التعامل مع هذا التهديد. فقد تلقّت المنظمة آلاف البلاغات عن مواقع تحتوي على متفجرات، وتمكنت حتى الآن من تحديد ما لا يقل عن 155 حقل ألغام يحتاج إلى إزالة فورية.
يقول ياسين اليسين، أحد العاملين في منظمة الخوذ البيضاء:
“نحن نواجه تحديًا هائلًا، إذ أن الذخائر غير المنفجرة منتشرة في كل مكان. يوميًا، نحصل على عشرات البلاغات من السكان حول وجود قنابل مخفية بين الأنقاض أو في الحقول الزراعية. مهمتنا هي إنقاذ الأرواح وجعل سوريا آمنة مجددًا، ولن نتوقف حتى نتمكن من تطهير البلاد بالكامل من هذا الخطر.”
أزمة تتطلب استجابة عاجلة
في ظل هذه الأوضاع، تحذر المنظمات الحقوقية من أن سوريا تواجه إحدى أسوأ أزمات الذخائر غير المنفجرة في العالم، ما يتطلب استجابة فورية من المجتمع الدولي لتوفير التمويل والتقنيات اللازمة لنزع الألغام وتوعية السكان بالمخاطر.
ومع استمرار العثور على متفجرات في مختلف المناطق، يظل السؤال الأهم: إلى متى ستبقى بقايا الحرب تحصد أرواح السوريين، ومتى سيتم تأمين عودة آمنة للمدنيين إلى منازلهم؟.
المصدر: tv4