دال ميديا: في زمان بعيد كانت إنجلترا تحتفل بالأول من مايو ببهجة وألعاب شعبية ورقصات حول شجرة المايبول، مستمدة من طقوس “بيلتين” السلتية التي تحتفل ببداية الصيف. ولكن عام 1517، كان الأول من مايو مختلفًا تمامًا… كان يومًا غابت فيه كلمة “السلام” عن الشعارات.
خلال حكم الملك هنري الثامن، تحوّل هذا اليوم الذي اعتاد أن يكون مناسبة للفرح والرقص، إلى واحد من أكثر الأيام ظلمةً في تاريخ لندن، فيما أصبح يُعرف لاحقًا بـ”يوم الشر” (Evil May Day).
شرارة الغضب
كانت لندن آنذاك تعاني من تدهور اقتصادي حاد، زادته التوترات السياسية مع فرنسا وألمانيا، وانتشار أفكار مارتن لوثر الإصلاحية. ومع تفاقم الأزمة، بدأ العمال المحليون يشعرون بالاستياء الشديد تجاه التجار والحرفيين الأجانب الذين اجتاحوا سوق العمل، وخصوصًا الفلمنكيين والفرنسيين.
زاد الطين بلة تمييز الملك هنري الثامن للتجار الأجانب، حيث منحهم امتيازات لم يحصل عليها الحرفيون الإنجليز. بينما كان على صانعي الأحذية الإنجليز الالتزام بقواعد صارمة، كان الأجانب أحرارًا في ابتكار تصاميم أكثر تنوعًا، ما جذب الزبائن الأغنياء وأفرغ جيوب الحرفيين المحليين.
الأمر الأكثر استفزازًا كان أن العديد من الأجانب أقاموا في مناطق خارج سلطة قوانين لندن الصارمة، مما أسس ما يشبه “جزرًا مستقلة” داخل العاصمة.
التحريض والدعوة للانتقام
في أبريل، ألقى الكاهن “بيل” خطبة نارية خلال قداس عيد الفصح في كنيسة سانت ماري، قال فيها إن الأجانب “يأكلون خبز الأطفال الإنجليز الفقراء”، داعيًا صراحةً إلى مقاومة وجودهم وإلحاق الألم بهم.
هذه الخطبة كانت كالشرارة التي أشعلت نيران الكراهية، وبعد أسابيع من التوتر والهجمات المعزولة، جاء الليل المشؤوم.
الانفجار
رغم إعلان السلطات حظر تجول ليلي، تدفق أكثر من ألف شاب في شوارع لندن في ليلة الأول من مايو.
حاول نائب الشريف توماس مور (الذي أصبح لاحقًا اللورد المستشار) تهدئة الحشود بخطابٍ مؤثر، لكن دون جدوى.
انطلقت أعمال التخريب والنهب ضد محلات ومنازل الأجانب، واستمرت الفوضى حتى الفجر.
النتائج الدموية
بحلول الرابع من مايو، تم اعتقال نحو 300 شخص.
بفضل شفاعة الملكة كاثرين من أراغون، منح الملك عفوًا عامًا، لكن زعيم التمرد جون لينكولن ونفرًا آخرين لم ينجوا.
في السابع من مايو، جُر جون لينكولن علنًا عبر شوارع لندن قبل أن يتم شنقه وتقطيع أوصاله أمام الجماهير في مشهد وصفه المؤرخون بأنه “مسرح تيودوري مهيب ومظلم”.
ورغم إخماد الفوضى، ظلت مشاعر الكراهية للأجانب تحت السطح لعقود. حتى شكسبير أشار إلى هذه الأحداث في مسرحية “السير توماس مور”، في تأكيد على عمق جراح يوم الشر في الذاكرة الشعبية.
ظل العنصرية
بعد قرن، مع وصول موجة جديدة من المهاجرين البروتستانت، لم تهدأ مشاعر الاستياء تجاه الأجانب. وحتى اليوم، يشكل المهاجرون أكثر من ثلث سكان لندن، مما يعيد إلى الأذهان تحذيرات التاريخ المليء بدروس قاسية.