ما الذي سيحدث اذا ما استخدام بوتين السلاح النووي في أوكرانيا؟
نشرت مجلة “فورين أفيرز” (Foreign Affairs) الأمريكية مقالا لباحث أميركي متخصص في قضايا الحرب والسلام، تناول فيه عواقب ما قد يحدث إذا ما أقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على استخدام السلاح النووي في حربه على أوكرانيا.
وتحت عنوان “التفكير في ما لا يمكن تصوره في أوكرانيا”، تساءل ريتشارد كي بيتس أستاذ دراسات الحرب والسلام بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك- في مقاله بالمجلة عما سيحدث إذا تصرف بوتين برعونة ومن دون ضوابط ولجأ إلى سلاحه النووي.
واستهل الإجابة بالقول إن الرئيس الروسي ظل يقرع طبول الحرب منذ أن توعد بضربة نووية محتملة عندما حذر في أول تصريح له في فبراير/شباط الماضي “كل من يحاول اعتراض سبيلنا -ناهيك عن تهديد بلدنا وشعبها- أن يعي بأن الرد الروسي سيكون فوريا وسيفضي إلى عواقب لم يرها في التاريخ”.
ورأى المراقبون الغربيون ذلك التصريح ضربا من الغرور والغطرسة “الجوفاء”، حسب تعبير المقال. فرغم كل شيء -طبقا لكاتب المقال- فإن الجانب الذي سيبدأ في شن الضربة النووية الأولى هو من سيخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر؛ إذ سيراهن على أن خصمه لن ينتقم بالطريقة ذاتها أو على نحو أشد ضررا.
إن التخطيط لاحتمال أن تستخدم روسيا الأسلحة النووية أمر لا مناص منه، فالخطر الأكبر يكمن في إذا ما تحولت الحرب بشكل حاسم لمصلحة أوكرانيا. وهذا هو الوضع الوحيد -برأي بيتس- الذي سيحفز الروس لخوض مخاطرة كبيرة وهو ما يبدو منطقيا، في محاولة من موسكو للحيلولة دون تجرعها الهزيمة، وذلك باللجوء إلى أسلوب الصدمة لدفع أوكرانيا وداعميها من حلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO) إلى التراجع.
ويعتقد بيتس أن الروس قد يفعلون ذلك عن طريق استخدام سلاح نووي تكتيكي واحد أو قليل من الأسلحة النووية التكتيكية ضد القوات الأوكرانية أو عن طريق إحداث انفجار رمزي فوق منطقة فارغة.
ويردف الكاتب، الذي يعمل باحثا في مجلس العلاقات الخارجية، أن هناك 3 خيارات عامة يمكن أن تساعد صناع السياسة الأمريكيين في تنويع الرد على هجوم نووي روسي على أوكرانيا. فقد تفضل الولايات المتحدة الاكتفاء بالتنديد الشفهي بأي تفجير نووي، من دون أن تفعل أي شيء ذا طبيعة عسكرية.
كما يمكنها أيضا استعمال أسلحة نووية خاصة بها، أو أن تمتنع عن شن هجوم نووي مضاد، لكنها تدخل الحرب مباشرة بضربات جوية تقليدية واسعة النطاق وحشد قوات برية.
ويصف بيتس تلك الخيارات بأنها كلها سيئة، إذ لا توجد بدائل منخفضة المخاطر للتعامل مع حالة كهذه لوضع حد لحرب نووية، مضيفا أن الرد التقليدي هو أقل الخيارات سوءا لأنه يتجنب المخاطر الأكبر التي تكمن في الخيارين الآخرين.
ويمضي أستاذ دراسات الحرب والسلام إلى القول إن صناع السياسة في الولايات المتحدة لم يولوا طوال العقود الثلاثة الماضية كبير اهتمام بالديناميكيات المحتملة للتصعيد النووي.
وعلى النقيض، كانت هذه المسألة في صلب الحوار الاستراتيجي بين أولئك الخبراء في رسم السياسات إبان الحرب الباردة عندما تبنى حلف الناتو مبدأ “التصعيد المتعمد” -بدءا من الاستخدام المحدود للأسلحة النووية التكتيكية- ليكون وسيلة لدرء أي غزو سوفياتي.
صحيح أن هذه الإستراتيجية كانت مثيرة للجدل -في نظر الأكاديمي الأميركي- لكن تم تبنيها؛ لأن الغرب اعتقد أن قواته التقليدية في وضعية أدنى من نظيراتها في حلف وارسو.
ومع الانقلاب الذي حدث في ميزان القوى منذ الحرب الباردة، جنحت العقيدة الروسية الحالية المتمثلة في “التصعيد للتخفيف من حدة التصعيد” إلى تقليد مفهوم “الاستجابة المرنة” الذي انتهجه حلف الناتو خلال الحرب الباردة.
ووفقا للمقال، فعلى صناع السياسة في حلف شمال الأطلسي ألا يعتمدوا على ضبط موسكو للنفس؛ ذلك أن بوتين لديه ما يخسره في الحرب أكثر مما لدى الدول المسلحة نوويا المؤيدة لأوكرانيا.
وربما يراهن الرئيس الروسي على أنه في حال تأزمت الأوضاع، فإن واشنطن ستكون أقل استعدادا منه للمقامرة بعمل أحمق. لكن قد يتصرف كالمجنون ويلجأ إلى أسلوب الصدمة النووية في مخاطرة مقبولة لإنهاء الحرب بشروط روسية.
وفي الوقت الذي يواجه فيه الناتو احتمال استخدام روسيا أسلحة نووية، فإن السؤال الأول الذي يحتاج إلى الإجابة عنه هو إذا ما كان هذا الاحتمال يجب أن يشكل خطا أحمر حقيقيا بالنسبة للغرب. بعبارة أخرى، هل سيؤدي هجوم نووي روسي إلى تحول الناتو من مجرد الاكتفاء بتزويد أوكرانيا بالسلاح والعتاد إلى الانخراط مباشرة في القتال نفسه؟
وفي معرض إجابته، يوضح الكاتب أن المنطق الروسي في استخدام الأسلحة النووية التكتيكية قد يكون الهدف منه تخويف الحلف الأطلسي من عبور هذا الخط بالقدر الذي يجبر أوكرانيا على الاستسلام.
إذا لم ترد أمريكا بالقتال المباشر؟
فإذا لم يدفع استخدام روسيا لعدد قليل من أسلحتها النووية الولايات المتحدة إلى القتال المباشر، فسيكون لدى موسكو الضوء الأخضر لاستخدام المزيد من هذه الأسلحة وسحق أوكرانيا بسرعة، حسب تعبير المقال.
ويخلص بيتس إلى القول إنه في حال بروز تحد من هذا القبيل -رغم أنه لا يزال تحديا افتراضيا حتى الآن- فإن الدخول في حرب نووية ستكون تجربة لا يرغب الأميركيون في خوضها. “ولهذا السبب، هناك احتمال حقيقي للغاية أن ينتهي الأمر بصناع السياسة إلى تبني الخيار الأضعف، ألا وهو التحدث بأسلوب خطابي منمق حول همجية التصرف الروسي التي تتجاوز حد الخيال، واللجوء إلى فرض أي عقوبات اقتصادية غير مستخدمة لا تزال متاحة، لكن من دون فعل أي شيء عسكريا”.
المصدر : فورين أفيرز ـ الجزيرة نت
No Comment! Be the first one.